سورة الأحزاب - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


قوله تعالى: {يا أيُّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبيِّ...} الآية. في سبب نزولها ستة أقوال.
القول الأول: أخرجاه في الصحيحين من حديث أنس بن مالك، «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا تزوَّج زينب بنت جحش دعا القوم، فطَعِمُوا ثم جلسوا يتحدَّثون، فأخذ كأنَّه يتهيَّأُ للقيام، فلم يقوموا، فلمَّا رأى ذلك قام وقام مِنَ القوم مَنْ قام، وقعد ثلاثة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل فاذا القوم جلوس، فرجع، وإِنَّهم قاموا فانطلقوا، وجئتُ فأخبرت النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، وذهبتُ أدخلُ فألقى الحجاب بيني وبينه»، وأنزل الله تعالى هذه الآية.
والثاني: أنَّ ناساً من المؤمنين كانوا يتحيَّنون طعام النبيّ صلى الله عليه وسلم فيدخُلون عليه قبل الطعام إِلى أن يُدرِك، ثم يأكلون ولا يخرُجون، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذَّى بهم، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثالث: أن عمر بن الخطاب قال: قلت يا رسول الله! إِن نساءك يدخل عليهن البَرُّ والفاجر، فلو أمرتَهُنَّ أن يَحْتَجِبْنَ، فنزلت آية الحجاب، أخرجه البخاري من حديث أنس، وأخرجه مسلم من حديث ابن عمر، كلاهما عن عمر.
والرابع: أنَّ عُمر أمر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجاب، فقالت زينب: يا ابن الخطاب، إِنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا؟! فنزلت الآية، قاله ابن مسعود.
والخامس: أن عمر كان يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلا يفعل، فخرجت سَوْدَةُ ليلة، فقال عمر: قد عرفناكِ يا سَوْدَة- حرصاً على أن ينزل الحجاب- فنزل الحجاب، رواه عكرمة عن عائشة.
والسادس: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطعم معه بعض أصحابه، فأصابت يدُ رجل منهم يدَ عائشة، وكانت معهم، فكره النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، فنزلت آية الحجاب، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {إِلا أنْ يُؤْذَنَ لكم إِلى طعام} أي: أن تُدْعَوا إليه {غيرَ ناظرِين} أي: منتظرين {إِنَاهُ}. قال الزجاج: موضع {أنْ} نصب؛ والمعنى: إِلا بأن يؤذَنَ لكم، أو لأَنْ يؤذَنَ، و{وغير} منصوبة على الحال؛ والمعنى: إِلا أن يؤذَنَ لكم غيرَ منتظرِين. و{وإِنَاهُ}: نُضجه وبلوغه.
قوله تعالى: {فانتشروا} أي: فاخرُجوا.
قوله تعالى: {ولا مُستأنِسِين لحديث} المعنى: ولا تدخُلوا مستأنِسِين، أي: طالبي الأُنس لحديث، وذلك أنهم كانوا يجلسون بعد الأكل فيتحدَّثون طويلاً، وكان ذلك يؤذيه، ويستحيي أن يقول لهم: قوموا، فعلَّمهم الله الأدب، فذلك قوله: {والله لا يستحيي من الحقِّ} أي: لا يترُك ان يُبيّن لكم ما هو الحقّ {وإِذا سألتُموهُنَّ متاعاً} أي: شيئاً يُستمتَع به ويُنتَفع به من آلة المنزل {فاسألوهُنَّ مِنْ وراءِ حجاب ذلكُم أطهر} أي: سؤالكم إِيَّاهُنَّ المتاعَ من وراء حجاب أطهرُ {لِقُلوبكم وقُلوبِهِنَّ} من الرِّيبة.
قوله تعالى: {وما كان لكم أن تُؤْذُوا رسولَ الله} أي: ما كان لكم أذاه في شيء من الأشياء. قال أبو عبيدة: و{كان} من حروف الزوائد. والمعنى: ما لكم أن تُؤذوا رسول الله {ولا أن تَنْكِحُوا أزواجَه مِنْ بَعده أبداً}. روى عطاء عن ابن عباس، قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو توفِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجتُ عائشة، فأنزل الله ما أَنزل. وزعم مقاتل أن ذلك الرجل طلحة بن عبيد الله.
قوله تعالى: {إِنَّ ذلكم} يعني نكاح أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم {كان عند الله عظيماً} أي: ذنْباً عظيم العقوبة.


قوله تعالى: {إِن تُبْدُوا شيئاً أو تُخْفُوه} قيل: إِنها نزلت فيما أبداه القائل: لئن مات رسول الله لأتزوجنّ عائشة.
قوله تعالى: {لا جُناح عليهنَّ في آبائهنَّ} قال المفسرون: لمَّا نزلت آية الحجاب، قال الآباء والأبناء والأقارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ونحن أيضاً نُكَلِّمُهُنَّ من وراء حجاب؟ فأنزل الله تعالى: {لا جُناح عليهن في آبائهنَّ} أي: في أن يَرَوْهُنَّ ولا يحتجبْنَ عنهم، إِلى قوله: {ولا نسائهنَّ} قال ابن عباس: يعني نساء المؤمنين، لأن نساء اليهود والنصارى يَصِفْنَ لأزواجهن نساءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِن رأينهنّ.
فان قيل: ما بال العمِّ والخال لم يُذْكَرا؟ فعنه جوابان:
أحدهما: لأن المرأة تَحِلُّ لأبنائهما، فكره أن تضع خمارها عند عمِّها وخالها، لأنهما ينعتانها لأبنائهما، هذا قول الشعبي وعكرمة.
والثاني: لأنهما يجريان مجرى الوالدين فلم يُذْكَرا، قاله الزجاج.
فأما قوله: {ولا ما ملكتْ أيمانُهنَّ} ففيه قولان:
أحدهما: أنه أراد الإِماء دون العبيد، قاله سعيد بن المسيب.
والثاني: أنه عامّ في العبيد والإِماء. قال ابن زيد: كُنَّ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتجِبْن من المماليك. وقد سبق بيان هذا في سورة [النور: 31].
قوله تعالى: {واتَّقِينَ الله} أي: أن يراكنَّ غير هؤلاء {إِنَّ الله كان على كل شيء شهيداً} أي: لم يَغِب عنه شيء.


قوله تعالى: {إِنَّ الله وملائكته يصلُّون على النبيّ} في صلاة الله وصلاة الملائكة أقوال قد تقدَّمت في هذه السورة [الأحزاب: 43].
قوله تعالى: {صلُّوا عليه} قال كَعْب بن عُجْرَة: قلنا: يا رسول الله قد عرفنا التسليم عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على آل إِبراهيم، إِنَّك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إِبراهيم، إِنك حميد مجيد»، أخرجه البخاري ومسلم. ومعنى قوله: «قد علمنا التسليم عليك»: ما يقال في التشهد: «السلام عليك أيُّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته». وذهب ابن السائب إِلى أن معنى التسليم: سلِّموا لِمَا يأمركم به.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين يؤذون الله ورسوله} اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال.
أحدها: في الذين طعنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفيَّة بنتُ حيَيّ، قاله ابن عباس.
والثاني: نزلت في المصوِّرين، قاله عكرمة.
والثالث: في المشركين واليهود والنصارى، وصفوا الله بالولد وكذَّبوا رسوله وشجُّوا وجهه وكسروا رَباعيَته وقالوا: مجنون شاعر ساحر كذَّاب. ومعنى أذى الله: وصفُه بما هو منزَّه عنه، وعصيانُه؛ ولعنُهم في الدنيا: بالقتل والجلاء، وفي الآخرة: بالنار.
قوله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} في سبب نزولها أربعة أقوال.
أحدها: أن عمر بن الخطاب رأى جارية متبرِّجة فضربها وكفَّ ما رأى من زينتها، فذهبت إِلى أهلها تشكو، فخرجوا إِليه فآذَوْه، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في الزُّناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إِذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن، فيرَون المرأة فيدنون منها فيغمزونها؛ وإِنما كانوا يؤذون الإِماء، غير أنه لم تكن الأَمَة تُعرَف من الحرة، فشكون ذلك إِلى أزواجهنّ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، قاله السدي.
والثالث: أنها نزلت فيمن تكلَّم في عائشة وصفوان بن المعطِّل بالإِفك، قاله الضحاك.
والرابع: أن ناساً من المنافقين آذَوا عليّ بن أبي طالب، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
قال المفسرون: ومعنى الآية: يرمونهم بما ليس فيهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8